هل القاضي ملزم بتخيير الأبناء في الحضانة؟ وهل اختيارهم هو الفاصل؟
- Almamri & Assaidi
- 20 مارس
- 2 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 22 مارس

عند وقوع الفرقة بين الزوجين، وعند تصاعد الخلافات حول الحضانة أو الضم حتى وصولها إلى القضاء، تظهر مشكلة تتعلق بتصرفات بعض الآباء والأمهات التي قد تضر بمصلحة الأبناء؛ فمنهم من يستخدم التدليل المفرط، أو يقدم هدايا باهظة كالهواتف الذكية، أو يمنح حريات غير منضبطة، ومنهم من يحرض الأبناء ضد الطرف الآخر، أو يشوه صورته أمامهم، ظنًا أن ذلك سيؤمن اختيارهم له عند التخيير. وفي بعض الأحيان، يُظهر أحد الوالدين اهتمامًا مكثفًا خلال النزاع، ليس حبًا صادقًا، وإنما نكاية بالطرف الآخر للفوز بالحضانة، لكن هذا الاهتمام غالبًا يتلاشى بعد حسم الأمر، تاركًا الطفل دون متابعة حقيقية، منشغلاً بحياته الشخصية، مما يؤثر سلبًا على تنشئته.
ورغم هذه السلوكيات، لا يتضمن القانون نصًا صريحًا يُلزم القاضي بتخيير الطفل - سواء ذكرًا أو أنثى - بين والديه؛ إذ يتمتع القاضي بسلطة تقديرية، ولا يُطالب قانونًا باستطلاع رأي الطفل أو التقيد به، مركزًا على تحقيق المصلحة الفضلى للمحضون كمعيار أساسي يحكم هذه القضايا.
ورغم أن الأصل أن الحضانة للأم، وأن الطفل الذكر ينتقل إلى الأب عند إتمامه السابعة، لكن هذا الانتقال ليس حتميًا، بل يخضع لتقدير القاضي وفق المصلحة الفضلى؛ فقد يرى أن الأب غير مؤهل لبيئة مناسبة، أو أن ظروفًا خاصة تستدعي بقاء الطفل مع الأم، مما يجعل التطبيق مرنًا حسب كل حالة.
كما استقر العمل القضائي على الاستئناس برأي المحضون أحيانًا، خاصة إذا بلغ سن التمييز، حيث يُفترض أن يكون قادرًا على إدراك محيطه والتعبير عن رغبته، دون أن يكون التخيير حقًا مطلقًا، وإنما أداة مساعدة يستخدمها القاضي ضمن تقديره، شريطة أن يكون الرأي نابعًا من إدراك سليم، بعيد عن الضغوط أو الإغراءات.
أحكام المحكمة العليا أكدت هذا التوجه، مشيرة إلى أن القاضي يملك سلطة تقديرية تتيح له تخيير الطفل إذا كان مؤهلاً للتمييز، دون أن يكون ذلك واجبًا؛ كما تمنح مرونة النظام القضائي القاضي حرية النظر في كل حالة، مراعيًا عمر المحضون، بيئته، ونضجه الذهني، بدلاً من قاعدة صلبة شاملة.
يتعامل القاضي مع التخيير بحذر، فهو غير ملزم باستشارة الطفل، لكنه قد يأخذ برأيه إذا كان في سن التمييز كعامل مساعد، لا كمحدد نهائي؛ ويظهر الفرق بين الرعاية والتنشئة؛ فالرعاية قد تقتصر على الاحتياجات المادية، بينما التنشئة تبني شخصية الطفل، وتُعده للحياة بأسس سليمة. وإذا تبين أن رغبة الطفل متأثرة بإغراءات كالهدايا، أو تحريض، أو عوامل غير صحيحة، يستبعدها القاضي، معتمدًا على ما يحقق المصلحة الفضلى كمحك أساسي، بعيدًا عن رغبات مشوهة أو مؤقتة.
ويلاحظ القضاء أن بعض الوالدين يستغلون رغبة الأبناء عبر استمالتهم بوسائل غير مشروعة، كالهدايا، أو الحريات المفرطة، أو تشويه الطرف الآخر؛ وقد يظهر أحدهم اهتمامًا زائدًا أثناء النزاع للفوز بالحضانة، لكن هذا الاهتمام يتلاشى لاحقًا، تاركًا الطفل دون تنشئة كافية؛ لذا، يقيّم القاضي استقلالية رأي الطفل، فإذا تأثر بالإغراءات أو الضغوط، لا يُعتد به، ويصدر الحكم بناءً على تقييم شامل يضمن المصلحة الفضلى.
ويظل القضاء راسخًا في التزامه بجعل المصلحة الفضلى للمحضون حجر الأساس في أحكام الحضانة، مستندًا إلى سلطة القاضي التقديرية في تقييم كل حالة وفق معطياتها، بعيدًا عن تأثيرات أو مناورات قد تعكر صفو التنشئة السليمة.
قلم المحامي/ محمد بن سعيد المعمري
شــــــــــركة الـــــمـــعمري والـــــســعيدي
محــــــــامون ومستشــــــارون في القانون
هاتف: 90605000
البريد الالكتروني: info@mflegal.net - mohd@mflegal.net