top of page

عقوبة إبعاد الأجنبي بين القانون العماني والتنسيق الأمني الخليجي


ree

جاء هذا المقال نتيجة نقاش قانوني جرى بيني وبين الزميلين الأستاذ محمود الناصري والأستاذ ناصر المعولي، وهما من المحامين المقيدين أمام المحكمة العليا، حيث تناولنا خلاله عقوبة إبعاد الأجنبي من البلاد من حيث طبيعتها القانونية باعتبارها عقوبة تكميلية تلحق بالحكم الجزائي، مع بيان الفرق بينها وبين الإبعاد الإداري الذي تصدره السلطة التنفيذية استنادا إلى المصلحة العامة وتقدير مقتضياتها. وقد تطرق النقاش إلى مسألة مدى جواز إلغاء عقوبة الإبعاد أو وقف تنفيذها بعد أن يصبح الحكم باتا، من خلال تقديم إشكال في التنفيذ عبر الادعاء العام، ومدى سلطة المحكمة في نظر هذا الطلب. وامتد الحوار إلى أثر الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون الخليجي التي تمت المصادقة عليها بالمرسوم السلطاني رقم (5/2014)، وما إذا كانت تلزم الدول الأعضاء بإبعاد الأجنبي الذي صدر بحقه حكم بالإبعاد في إحدى دول المجلس، أو أن لكل دولة سيادتها في تقرير المنع أو السماح بالدخول وفق تشريعاتها الوطنية. وتعددت الآراء حول هذه المسائل، فدفعتني إلى دراسة النصوص القانونية والتطبيقات القضائية والاتفاقيات ذات الصلة، وصولا إلى رؤية قانونية متكاملة لماهية الإبعاد وحدوده.


نص قانون إقامة الأجانب الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (16/95) في بابه الخامس على تنظيم أحكام الإبعاد، حيث أجاز للسلطة المختصة إصدار قرار إداري بإبعاد الأجنبي إذا كان وجوده يهدد أمن البلاد أو نظامها العام، كما منح للمحكمة صلاحية الحكم بالإبعاد كعقوبة تكميلية متى ارتبطت الجريمة ببقاء الأجنبي في السلطنة. ويستفاد من ذلك أن الإبعاد في صورته القضائية عقوبة تكميلية ذات طابع وقائي، تقدرها المحكمة تبعا لخطورة الفعل وشخصية المحكوم عليه. وقد نصت المادة (60) من قانون الجزاء على أنه يجوز الحكم بإبعاد الأجنبي المحكوم عليه في جناية أو جنحة إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، الأمر الذي يجعلها عقوبة مرتبطة بتقدير قضائي لا إداري.


أما من حيث التنفيذ، فإن الإشكال المقدم لوقف عقوبة الإبعاد بعد صدور الحكم البات لا يعد طريقا للطعن في الأحكام، لأن الإشكال في التنفيذ وسيلة قانونية تقتصر على معالجة العراقيل اللاحقة لمرحلة التنفيذ دون أن تمتد إلى جوهر الحكم ذاته. وقد أكدت المحكمة العليا هذا المبدأ حين قررت أن محكمة الإشكال لا تملك سلطة وقف تنفيذ عقوبة الإبعاد المقضي بها بحكم نهائي، لأن في ذلك مسا بحجية الحكم، وبيّنت أن أسباب الإشكال المقبولة هي تلك التي تتعلق بوقائع لاحقة تمنع التنفيذ ماديا أو قانونيا، لا تلك التي تستند إلى مناقشة الحكم أو صحته. ومن ثم فإن طلب إلغاء الإبعاد أو وقفه بعد صيرورة الحكم باتا لا يدخل في نطاق ولاية محكمة الإشكال، ويعد تجاوزا للحدود المقررة قانونا.


أما الإبعاد الإداري، فهو إجراء تنظيمي يصدر عن الجهة المختصة وفق قانون إقامة الأجانب ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار رقم (63/96) وتعديلاته، ويتخذ متى رأت الإدارة أن وجود الأجنبي يشكل خطرا على الأمن أو النظام العام أو المصلحة العامة. وتمارس هذه السلطة في إطار التقدير الإداري المقيد بضوابط المشروعية، بحيث يجوز الطعن في قرار الإبعاد أمام القضاء الإداري إذا تبين أنه صدر دون مبرر كاف أو انحرف عن الغاية التي قررها القانون. ويمثل هذا النوع من الإبعاد تدبيرا وقائيا لا عقوبة، يهدف إلى حماية المجتمع دون أن يستند إلى حكم قضائي بالإدانة.


وعلى المستوى الإقليمي، نصت الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الموقعة في الرياض عام 2012، والمصادق عليها بالمرسوم السلطاني رقم (5/2014)، على التعاون الأمني بين الدول الأعضاء، وتبادل المعلومات المتعلقة بالمبعدين وأصحاب السوابق. وقد ورد في مادتها الثامنة أن الدول الأطراف تتبادل أسماء المبعدين والبيانات المتعلقة بهم والإبلاغ عن تحركاتهم. ويفهم من هذا النص أن الاتفاقية تنشئ التزاما بتبادل المعلومات والتنسيق الأمني، دون أن تفرض إلزاما متبادلا بتنفيذ قرارات الإبعاد أو المنع، لأن المادة الأولى منها أكدت أن التعاون يتم وفق تشريعات كل دولة. ويعني ذلك أن لكل دولة سيادتها الكاملة في تقرير من يسمح له بدخول أراضيها أو يمنع من ذلك، وأن تنفيذ الإبعاد الصادر في دولة ما لا يمتد تلقائيا إلى بقية دول المجلس، بل يخضع لتقديرها الوطني وفق أنظمتها الخاصة.


ومن خلال هذا الترابط بين القانون الوطني والاتفاقية الإقليمية، يتضح أن الإبعاد في التشريع العماني يقوم على أساس مزدوج: الأول قضائي يصدر بحكم جزائي ويعد عقوبة تكميلية، والثاني إداري يعد تدبيرا تنظيميا تصدره السلطة المختصة في نطاق المصلحة العامة. وتختلف آثارهما من حيث الطبيعة والضمانات والرقابة القضائية، فالعقوبة القضائية تخضع لحجية الحكم ولرقابة المحكمة العليا عند الطعن، أما التدبير الإداري فيخضع لرقابة القضاء الإداري ضمن حدود المشروعية.


ويظل الإبعاد – سواء كان قضائيا أو إداريا – إجراء بالغ الأثر في حياة الفرد، لما يترتب عليه من إنهاء علاقة الإقامة والعمل والملكية والارتباط الأسري داخل البلاد، ما يستدعي تطبيقه في أضيق نطاق وبما يتفق مع مبادئ العدالة والضرورة، دون أن يتحول إلى أداة لإلغاء الوجود القانوني للأجنبي خارج رقابة القضاء.


لقد أثبت النقاش أن مفهوم الإبعاد في القوانين الخليجية يقوم على التوازن بين حماية الأمن العام واحترام الحقوق الفردية، وأن الاتفاقية الأمنية جاءت لتعزيز التعاون بين الأجهزة لا لنقل الولاية القضائية من دولة إلى أخرى. وبهذا تتضح الطبيعة القانونية للإبعاد، وتتحدد حدوده بين العقوبة التي تصدر باسم العدالة والتدبير الذي يتخذ باسم الدولة، في إطار السيادة التي لا تجزأ والتعاون الذي لا يلغي الاختصاص.


بقلم المحامي/ محمد بن سعيد المعمري

شـــــــركة الـــــمـــعمري والـــــســعيدي

محــــامون ومستشــــــارون في القانون

هاتف: 90605000

البريد الالكتروني: info@mflegal.net  - mohd@mflegal.net


 
 
bottom of page