top of page

في إرساء دعائم الاستثمار وضبط المعاملات وحفظ الحقوق




في الشهر الماضي، أقدم أحد الأفراد على توقيع عقد إيجار مع أحد المستثمرين المعروفين، حيث قام باستئجار فيلا داخل مجمع سكني، مستعينا بالشيكات وسجل تجاري، ولم يلبث أن ارتجع أول شيك لعدم كفاية الرصيد ، وعند البحث والتقصي، تبين أن المذكور صاحب سجل مزدحم بالشكاوى، ومطلوب القبض عليه في قضايا مشابهة.

لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد عمد إلى تأجير العقار من الباطن بنصف القيمة، مستغلا حاجة أحد رعايا سفارة دولة عظمى إلى سكن، مما أفضى إلى نزاع قانوني مع السفارة التي دفعت للمحتال مبلغا مقدرا عن عشرة أشهر مقدما، دون أن تكون على بيّنة بحقيقته.


هذه الحادثة تسلط الضوء على حاجة السوق العماني إلى مزيد من التنظيم والمتابعة لضمان حماية المستثمرين بمختلف فئاتهم، سواء كانوا في القطاع العقاري أو التجاري أو الصناعي؛ فلقد بذلت السلطنة جهودا كبيرة في إرساء القوانين والتشريعات التي تنظم الاستثمار، وتحفظ حقوق المتعاملين، وأرست أنظم تتكامل بين وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني، والهيئات القضائية المختصة، لضمان ضبط السوق وإيجاد بيئة موثوقة للمستثمرين، ورغم ذلك ، تظل هناك تحديات تستوجب استحداث أدوات أكثر إحكاما لمنع التحايل وضبط المعاملات قبل أن تصل إلى ساحات التقاضي.


في هذا الإطار، جاء إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة كخطوة تواكب متطلبات السوق، وتضمن البت السريع في النزاعات التجارية والاستثمارية، مما يعزز ثقة المستثمرين، سواء كانوا أصحاب مشاريع صغيرة أو رؤوس أموال ضخمة، غير أن تعزيز البيئة الاستثمارية لا يقف عند حد الفصل في القضايا فحسب، وإنما يتطلب إيجاد جهة إشرافية متخصصة تراقب التعاقدات الاستثمارية قبل تسجيلها بشكل رسمي ، وتتولى التدقيق في الخلفيات المالية والقانونية للأطراف المتعاقدة، وتضبط إجراءات السمسرة والوساطة التجارية، حتى لا يكون السوق عرضة للممارسات غير المشروعة التي تضر بثقة المستثمرين وتقوض استقرار التعاملات.


هذه الجهة ينبغي أن تكون مستقلة عن المحكمة، لكنها على صلة وثيقة بها، بحيث تعمل بالتنسيق مع الجهات المختصة الأخرى لضمان سلامة السوق، ويمكن أن تتبع وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، أو تكون هيئة مستقلة تعمل بموجب تشريع خاص يحدد اختصاصاتها وآليات عملها؛ فمن الأهمية بمكان أن يكون لها دور رقابي وقائي، يسبق النزاع، وليس دورا قضائيا يأتي بعد وقوع الضرر.


الاستثمار لا يقوم إلا على أسس متينة من النزاهة والشفافية، ولا يمكن أن تُبنى الأسواق على افتراض حسن النية وحده؛ فلقد تطورت التجارة عبر العصور، وكان العمانيون من أوائل الشعوب التي سطرت أصول التعاملات التجارية وفق ضوابط دقيقة، مراعية للمصالح، جاعلة العدل والإنصاف ميزانا يُحتكم إليه، واليوم مع توسع السوق وازدياد تعقيد المعاملات، أصبح من الضروري أن يكون هناك نظام متكامل يشرف على العقود الاستثمارية، ويحد من المخاطر التي قد تهدد المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.


إن وجود جهة رقابية تُعنى بتنظيم الاستثمارات ومراقبة العقود التجارية والعقارية، سيعزز مؤشر سهولة ممارسة الأعمال في السلطنة، ويمنح السوق مزيدا من الجاذبية للاستثمارات الأجنبية، ويحد من النزاعات القانونية التي قد تؤثر على سمعة السوق واستقراره، كما أنه سيمنح المستثمرين، سواء كانوا في قطاع العقارات أو التجارة أو الصناعة أو الخدمات، أمانا قانونيا يطمئنهم بأن تعاملاتهم تتم وفق ضوابط واضحة، لا ثغرات فيها ولا مجال لاستغلالها.


في عالم الاقتصاد، السوق المستقر هو السوق الجاذب، والاستثمار لا يزدهر في بيئة تتسم بالغموض أو ضعف الرقابة، بحيث تتكامل الجهود بين القضاء المتخصص، والتنظيم الإداري، والتشريعات التي تتلاءم مع تطورات السوق، وهو السبيل الأمثل لضمان بيئة استثمارية قوية ومستدامة، تمنح المستثمرين الثقة، وتحميهم من أي ممارسات قد تهدد مصالحهم، وتدفع بعجلة التنمية الاقتصادية إلى آفاق أوسع وأرسخ.


بقلم المحامي/ محمد بن سعيد المعمري

شــــــــــركة الـــــمـــعمري والـــــســعيدي

محــــــــامون ومستشــــــارون في القانون

هاتف: 90605000

البريد الالكتروني: info@mflegal.net - mohd@mflegal.net

 
 
bottom of page