top of page

إلزام الشاكي بالحضور الشخصي في مرحلة جمع الاستدلالات بين الممارسة العملية ومقتضيات التشريع


يُعدّ الادعاء العام الجهة المختصة بمباشرة الدعوى العمومية وتحريكها وفقًا لما تقضي به القوانين، غير أن المشرع، بموجب المادة (5) من قانون الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 97/99، اشترط في بعض الجرائم عدم تحريك الدعوى إلا بناءً على شكوى من المجني عليه أو وكيله الخاص، حيث نصت المادة على أنه “لا تُرفع الدعوى العمومية إلا بناءً على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه أو من وكيله الخاص في الجرائم التي يشترط فيها القانون ذلك.” ورغم عدم وجود نص قانوني صريح يُلزم الشاكي بالحضور الشخصي، إلا أن الواقع العملي يعكس ممارسة تفرض عليه ذلك في بعض الحالات، حتى مع وجود توكيل لمحامٍ، سواء عند تقديم الشكوى أو البلاغ، مما يثير تساؤلات حول مدى توافق هذه الممارسة مع المبادئ القانونية المنظمة لإجراءات التقاضي.


إلزام الشاكي بالحضور الشخصي خلال مرحلة جمع الاستدلالات، دون الاكتفاء بتمثيله من قبل محامٍ، قد يؤدي إلى تعطيل سير الإجراءات وإرهاق أصحاب الحقوق، وقد يتسبب أيضًا في عزوف بعض المتضررين عن تقديم الشكاوى خشية التعقيدات الإجرائية واللوجستية التي تفرض عليهم رغم توكيلهم لمحامٍ. هذا الإلزام قد لا يكون ضروريًا في جميع الحالات، لا سيما عند وجود شكاوى ذات طبيعة مستندية، حيث يمكن الاعتماد على الوثائق والأدلة المقدمة دون الحاجة إلى حضور الشاكي شخصيًا.


في هذا الإطار، أتفق مع الرأي القائل بضرورة إعادة النظر في هذه الممارسة، إلا أنني أود الإشارة إلى ملاحظة قد تكون ذات أهمية : الحديث عن حصرية الحالات التي تتطلب الحضور الشخصي للشاكي يستوجب تحديد معيار واضح؛ فلا يمكن الإحاطة بجميع الحالات، وإنما يتم اعتماد الضابط وفق معايير محددة، بحيث يتم ذكر بعض الحالات على سبيل المثال لا الحصر، ويُقاس عليها في الحالات المشابهة. أما الإشكال الحقيقي فلا يقتصر فقط على مدى جواز وجود إلزام بالحضور، وإنما يشمل أيضًا فرضه على المجني عليه شخصيًا دون السماح بتمثيله بواسطة محامٍ أو وكيل، مما يتعارض مع مبدأ التيسير الإجرائي وحماية الحقوق. بناءً على ذلك، ينبغي أن يتجه التشريع إلى عدم إلزام الشاكي بالحضور الشخصي إلا في حالات محددة، مثل الشكاوى ذات الطابع المستندي التي لا تستوجب وجوده الفعلي، حيث يمكن البت فيها استنادًا إلى الأدلة المقدمة.


إضافة إلى ذلك، فإن منع المحامي من حضور جلسة سماع أقوال موكله يُعدّ إشكالية أخرى ترتبط بضمانات الدفاع والعدالة الإجرائية، ولا يشكل وجوده أي عائق أمام سير التحقيق؛ إذ يسهم في تحقيق العدالة وضمان سلامة الإجراءات من خلال تقديم عرض واضح للواقعة. ومن الناحية القانونية، فإن منع المحامي من الحضور قد يتعارض مع نص المادة (37) من قانون المحاماة، فضلًا عن أن النظام الأساسي للدولة في المادة (88) قد أقرّ الضمانات والحماية للمحامي أثناء ممارسة دوره أمام جهات التحقيق والاستدلال، وهو ما يعزز ضرورة تمكينه من الحضور في هذه المراحل؛ ولأن هذا الموضوع يثير العديد من الإشكالات القانونية والإجرائية، فإنه يستحق طرحه بشكل مستقل في مقال منفصل، خصوصًا فيما يتعلق بمنع المحامي من الحضور أثناء جمع الاستدلالات (أمام الشرطة).


هذه الممارسة تستند إلى اجتهاد إجرائي أكثر من كونها قائمة على نص قانوني محدد، وإذا كان القانون قد أجاز تقديم الشكوى بواسطة وكيل، فإن منع الوكيل أو المحامي من قيد الشكوى ومتابعة الإجراءات الأولية دون فرض إلزام حضور الشاكي شخصيا، قد يمثل تناقضا لا يتماشى مع الأسس القانونية لحماية الحقوق، يضاف إلى ذلك أن فرض الحضور الشخصي للشاكي في جميع الحالات لا يستند إلى مبررات تشريعية واضحة، وقد يؤدي إلى تعارضه مع مبدأ التيسير على المتقاضين، الذي يسمح بالتمثيل القانوني في مختلف مراحل التقاضي، بما في ذلك مرحلة جمع الاستدلالات. ومن الناحية العملية، قد يسهم هذا الإجراء في إطالة أمد الإجراءات وتعقيد المسار القانوني دون داعٍ.


في ضوء ما سبق، فإن إعادة النظر في هذه الممارسة من قبل الجهات التشريعية والتنفيذية المختصة باتت ضرورة، سواء من خلال إصدار توجيهات واضحة تؤكد التوازن بين متطلبات التحقيق وضمانات الشاكي، أو من خلال تعزيز التطبيق الصحيح للنصوص القانونية القائمة، التي لا تشترط حضور الشاكي شخصيًا ولا تمنع قيد الشكوى أو السير فيها في حال عدم حضوره.


إلى جانب ذلك، فإن تمكين المحامي من حضور جلسة سماع أقوال موكله يسهم في تحسين كفاءة الإجراءات وضمان تحقيق العدالة دون أن يؤثر سلبًا على سير التحقيقات، حيث يوفر ضمانة إضافية لسلامتها؛ فوجود المحامي لا يشكل عائقًا للإجراءات، وإنما يعزز من احترام الأطر القانونية السليمة أثناء التحقيق.


ولضمان وضوح هذه المسألة، يُقترح وضع ضوابط تحدد الحالات التي قد تستلزم الحضور الشخصي للشاكي، مع التأكيد على حقه في التمثيل القانوني، والسماح بحضور المحامي مع موكله أثناء جلسات سماع الأقوال في مرحلة جمع الاستدلالات، إلا إذا استدعت الضرورة غير ذلك، كما يمكن تعزيز آليات التحقق من صحة الشكاوى عبر وسائل تقنية وإجرائية حديثة، دون الحاجة إلى فرض الحضور الشخصي على المجني عليه في جميع الحالات.


بقلم المحامي/ محمد بن سعيد المعمري

شــــــــــركة الـــــمـــعمري والـــــســعيدي

محــــــــامون ومستشــــــارون في القانون

هاتف: 90605000

البريد الالكتروني: info@mflegal.net - mohd@mflegal.net


 
 
bottom of page