top of page

جريمة رأي عام حطم مركبة طليقته وجدار منزلها التكييف القانوني للجريمة وقرار الإحالة من الادعاء العام

تاريخ التحديث: 1 يونيو 2024


ردا على استفسار أحد السائلين حول تعليقنا على قرار الإحالة في الجريمة التي شغلت الرأي العام بقيام أحدهم باستخدام مركبته في تحطيم مركبة طليقته وتحطيم جدار المنزل بالتفصيل الذي يعلمه الجميع، وما انتهى إليه الادعاء العام من تكييف الواقعة بأنها (جنحة تخريب مال منقول مملوك للغير) فإننا نعلق على ذلك بالتالي:

لقد أوضحنا وجهة نظرنا حول التكييف القانوني للواقعة منذ أول وهلة، وهنا نؤكد ما قلناه مع مزيد بسط له، لعله يجد آذانا صاغية لدى الادعاء العام وذلك بالتفصيل التالي:

أولا/ جنحة تخريب مال منقول مملوك للغير:

ذكرنا في تكييفنا سابقا أن الواقعة تشكل في جانب منها جنحة تخريب مال منقول مملوك للغير المؤثمة بنص المادة (376) من قانون الجزاء، وهو ما اتفق فيه معنا الادعاء العام في قرار الإحالة، إلا أنه أغفل عدة جرائم تطرقنا إليها، وهي ما نفصلها فيما يلي.

ثانيا/ جنحة تخريب مال ثابت مملوكا للغير:

أيضا فإن الواقعة تشكل جريمة أخرى بأركانها المستقلة المختلفة عن الجريمة الأولى، إذ تشكل جنحة (تخريب مال ثابت مملوك للغير) المؤثمة بالمادة ذاتها، وتتكون هذه الجريمة من فعل ونتيجة وعلاقة سببية مستقلة عن الجريمة الأولى، إذ أن الاصطدام الأول بمركبة المجنى عليها هو ما شكل فعل التخريب ونتيجة التخريب الواقعة على المركبة، وتوافر القصد الجنائي بعلم الجاني بأن فعله هذا سوف يحدث الضرر الذي نتج عن الجريمة.

ثم حينما قام بالاصطدام الثاني الذي حطم فيه جدار المنزل؛ فإننا نكون إزاء فعل جديد يتمثل في دفع مركبة المجنى عليها باتجاه الجدار بشدة مما تسبب في تحطيمه، وكانت النتيجة أن الجدار قد تحطم، وهي نتيجة متوقعة، حيث إن مركبة المجنى عليها كانت ملتصقة بالجدار، واستخدام الشدة في الاصطدام بها سيؤدي حتما إلى تحطم الجدار، وعليه تكون أركان الجريمة مكتملة الأركان بجميع عناصرها.

وحيث أشاح الادعاء العام بوجهه عن هذه الجريمة، فإننا نرى من الناحية القانونية أنه وقع في خطأ قانوني يستدعي منه مراجعة تكييفه مجددا.

مع الإشارة إلى أن جريمة التخريب ليست من جرائم الشكوى، وبالتالي فإنه لا يستدعي وجود الصفة فيمن يقدم البلاغ، ولذلك لا يجوز التعذر بأن المجنى عليها مستأجرة للمنزل وليست المالكة.

الجريمة الثالثة: جنحة سياقة مركبة بطريقة تشكل خطورة وتعرض حياة الآخرين وأموالهم للخطر المؤثمة بنص المادة (50) من قانون المرور وتعديلاته.

أيضا فإن الجاني قام بقيادة مركبته بطريقة تشكل خطرا على حياة الآخرين وأموالهم، حيث كان من الممكن أن تزهق أرواح بسبب استخدام الجاني لمركبته بتلك الطريقة، وهي جريمة غفل عنها الادعاء العام وكان من المتوجب إضافتها في قرار الإحالة.

الجريمة الرابعة: جنحة انتهاك حرمة مسكن بواسطة الكسر المؤثمة بنص المادة (371/ الفقرة الثانية) من قانون الجزاء.

أيضا تشكل الواقعة جنحة انتهاك حرمة مسكن وفق نص المادة المذكورة، وقد يثور لغط قانوني حول انطباق هذه الجريمة، وهو لغط يتلاشى مع التصور الحقيقي للواقعة، ولذلك نوضح قيام هذه الجريمة بشيء من التفصيل.

جريمة انتهاك حرمة مسكن بواسطة الكسر تتحقق بدخول الجاني إلى منزل بواسطة الكسر ودون إذن ممن له الحق بالإذن أو المنع، ولم يحدد القانون طريقة معينة للدخول، فقد يدخل الشخص راجلا، وقد يدخل بسيارة وقد ينزل إلى الفناء برافعة، إذ لا تهم وسيلة الدخول، فما يهم هو تجاوز الجاني شفير سور المنزل، وبالتالي تقوم الجريمة، وبالاطلاع على المقطع المصور، وجدنا أن الجاني لم يكتف بتحطيم المركبة، وإنما أتبعها بتحطيم الجدار، ثم أيضا لم يكتف بذلك، بل دخل بمركبته إلى داخل حدود سور المنزل، وبالتالي فقد قامت جريمة جديدة في مواجهته.

وكما يقال بالمثال يتضح المقال، ونقول للادعاء العام هب أن شخصا جاء بمعدة وقام بتكسير الجدار ولكن لم يدخل إلى الداخل، فقط اكتفى بتحطيم الجدار، بينما جاء آخر وقام بتحطيم الجدار ودخل إلى داخل الفناء، هل يستويان؟ بالطبع لا، فالأول لم ينتهك حرمة المسكن، بينما الثاني انتهكها.

وإذا قال قائل بأنه لم يقصد انتهاك حرمة المسكن، نقول بأن توافر علمه وإرادته في الوجود داخل حدود السور دون إذن من له حق المنع والإذن يجعل من القصد الجنائي متوافرا بغض النظر عن الغرض من وجوده هنالك، إذ أن على الادعاء العام إسباغ جميع الأوصاف على الواقعة، وأما الباعث من الفعل فهو مسألة أخرى لا علاقة لها بالتكييف.

لذا فإننا نرى من الناحية القانونية أن الادعاء العام أخطأ خطأ جسيما في إسباغ الأوصاف القانونية السليمة على الواقعة، وندعوه إلى مراجعتها مجددا، فالفضيلة كل الفضيلة في الرجوع إلى الحق متى استبان له ذلك.

ملاحظة أخيرة: (المصادرة)

هناك خطأ جسيم آخر وقع فيه الادعاء العام، وهو عدم المطالبة بمصادرة الأداة المستخدمة في الجريمة، وهي مركبة الجاني، وذلك استنادا لنص المادة (59) من قانون الجزاء، وإن كان الحكم بالمصادرة جوازي للمحكمة إلا أن المطالبة بها من قبل الادعاء العام وجوبية، وقد تعودنا من الادعاء العام أنه شرس في المطالبة بمصادرة أداة الجريمة، ففي جرائم بسيط حينما يخطئ شخص ويرسل كلمة تحمل سبا عاديا إلى آخر باستخدام هاتفه عبر برنامج الواتسأب في محادثة شخصية بينهما لم يطلع عليها أحد غيرهما، نجد الادعاء العام يسارع في طلب مصادرة الهاتف، ولا نقول أن مطالبته غير قانونية، ولكن المسار العملي يجب أن يكون متوازنا ومضطردا في التطبيق، كما أننا نعلم أن التفتيش على أعمال أعضاء الادعاء العام يشدد حول هذه الأخطاء.

في الختام نؤكد أن جميع الجرائم هي جرائم مستقلة لا تخضع لتطبيق المواد (63) و(64) من قانون الجزاء، لكون جريمة تخريب المركبة حدثت أولا، ثم جريمة تخريب الجدار حدثت بعد ذلك، ثم الدخول إلى المنزل تم أخيرا، وكل ذلك تم باستخدام المركبة بطريقة مخالفة للقانون.

هذا ما نراه، والنقاش أعلاه هو علمي بحت، وجل من لا يسهو، والكلمة العليا للمحكمة في التكييف القانوني، وكلنا نستمد العلم من واسع علمها.



شركة المعمري والسعيدي

محامون ومستشارون في القانون

info@legaljm.com



 
 
bottom of page