الموظف في خدمة الشعب… إذا كان مزاجه يسمح!
- Almamri & Assaidi
- 15 فبراير
- 3 دقيقة قراءة

الموظف في خدمة الشعب… إذا كان مزاجه يسمح!
نبدأ بالشكر والثناء على الموظفين الذين يحيونك بالبشاشة، ويرحبون بك، ويسألون عن الأخبار والعلوم، وتجدهم فرحين بخدمتك، وكأنهم هم المستفيدون، هذا النوع من الموظفين، حتى لو كانت لديهم إجراءات وشروط، لا تشعر منهم بثقل، ولا تتضايق من حديثهم، لأنهم يتحدثون بصدق ويؤدون عملهم بنية طيبة، ولا يحاولون تصريفك أو التهرب منك؛ فهم يدركون أن وجودهم في هذا المكان لأجل خدمة الناس، ويؤدون واجبهم بأمانة وإخلاص.
على الجانب الآخر، هناك نوع آخر؛ بالكاد يرد السلام، وإن رد، فصوته يكاد لا يُسمع، لا يبدي أي اهتمام، يرد عليك من طرف خشمه، ويعاملك وكأنك عبء ثقيل عليه، ويحاول صرفك بأي طريقة، يقول لك: "راجع فلان"، أو "أوراقك ناقصة"، أو "هذا ليس من اختصاصي"، وإذا عدت إليه مرة أخرى يختفي أو مشغول بلا سبب، وكم أشفق على ذلك المسكين الذي يقطع المسافات من أجل إجراء ينجز باتصال عند البعض!
هذا الأسلوب غير مفهوم، والناس لا تدرك أسبابه؛ هل هو ضعف في الوعي؟ هل هو حب التسلط؟ أم أن بعض الموظفين يرون الوظيفة وكأنها منة منهم على الناس؟ وكأن أداءه لعمله لا يستقيم إلا ما دمت عليه قائما!
هناك أيضا من الموظفين من يتعمد تعطيل المعاملات، وأحيانا يكون له مصلحة مباشرة في تأخيرها، سواء لتحقيق مكاسب شخصية، أو لأشخاص يعنيه أمرهم، أو لعرقلة خدمة معينة، أو لممارسة نفوذه بأسلوب غير مشروع، وبلا ريب أن هذا السلوك أشد خطورة من الإهمال؛ لأنه يضر الناس عن قصد، ويدفع المراجع إلى الشعور بأنه لا خيار أمامه سوى التنازل عن حقه أو التراجع عن طلبه، وهو أمر غير مقبول إطلاقا؛ لهذا السبب، يتعامل قانون الجزاء مع هذه التصرفات بحزم، باعتبارها جناية تمس هيبة الدولة وحقوق المواطنين.
في السنوات الأخيرة، الحكومة تسعى إلى تسهيل المعاملات وتخفيف الأعباء عن الناس، واعتمدت الأنظمة الإلكترونية لتبسيط وتسريع الإجراءات وتقليل المعاناة، لكن المشكلة الجديدة أن بعض الموظفين لا يراجعون النظام الإلكتروني ، رغم رفع الطلبات على النظام ، ولكنها تبقى عالقة لأيام وأسابيع بلا متابعة بذريعة الزحمة، إذن ما الحاجة إلى نظام إلكتروني أبطأ من النظام التقليدي، الأمر أشبه بباب واسع لصرف المراجعين بأسلوب جديد، هذا نوع آخر من التعطيل وعدم الاكتراث، يؤدي إلى تأخير المعاملات وتعطيل مصالح الناس دون أي مبرر واضح.
أي مراجع يتعرض لهذا الأسلوب لا يجب أن يسكت أو يمتثل لكل تصريفات غير منطقية. عليه أن يراجع المدير أو رئيس القسم مباشرة، وإذا لم يحصل على استجابة، يواصل حتى يصل إلى المسؤول الأعلى. السكوت عن هذه الممارسات يعني استمرارها وتكرارها مع الآخرين، وما يعاني منه شخص اليوم، سيتكرر مع غيره غدًا، مما يبقي المشكلة قائمة. رفع الموضوع لا يعود بالنفع على الفرد فقط، بل هو حماية للناس جميعًا من تكرار هذه التصرفات.
أما عن نفسي، فكلما راجعت مؤسسة وواجهت مثل هذا الأسلوب، أو رفعت طلبًا إلكترونيًا وظل معلقًا بلا مبرر، لا أكتفي بالموظف الذي أمامي. دائمًا أرفع الأمر إلى المسؤول الأعلى، وإذا لم أجد تجاوبًا، أواصل حتى أصل إلى صاحب القرار. طالما أنني متأكد من صحة معاملتي وأوراقي مكتملة، فمن حقي أن أحصل على الخدمة دون تعقيد. التعامل بهذه الطريقة يوضح لأي موظف أن الناس أصبحت أكثر وعيًا بحقوقها، ولن تقبل بأي تعطيل أو تهاون في إنجاز معاملاتها.
المشرع عندما وفر الحماية الجزائية للموظف، افترض أنه قائم على خدمة الناس، وبحكم طبيعة عمله قد يتعرض لضغوطات أو محاولات للتأثير عليه، وقد تحصل بعض التجاوزات من المراجعين، فكان من الضروري منحه هذه الحماية حتى يؤدي عمله باستقلالية ودون خوف، هذه الحماية لم تُوضع ليستخدمها البعض كذريعة للتعالي على المراجعين أو تعطيل معاملاتهم، وإنما لأنه يمثل هيبة الدولة، وهذه الهيبة ليست مجرد منصب أو وظيفة، وإنما مسؤولية وأمانة، تتطلب منه التعامل مع الناس باحترام، وحماية حقوقهم، وتقديم الخدمة بكل إخلاص وصدق.
الخدمة العامة مسؤولية، والموظف في أي دائرة حكومية أو خاصة موجود لتقديم الخدمة للناس، وليس للتحكم في مصيرهم أو تعطيل مصالحهم؛ فمن يتعامل مع الناس باحترام وأمانة، يكتسب احترام الجميع، ومن يتعمد التعطيل أو الاستهتار بعمله، سيفقد ثقة الناس واحترامهم.
الوظيفة ليست امتيازا لممارسة السلطة، هي أمانة ومسؤولية، ومن يؤديها بإخلاص، يرفع من نفسه، ويخدم وطنه بأفضل صورة.
المحامي محمد بن سعيد المعمري
شــــــركة المــعـمري والســـعـيدي
محامون ومستشارون في القــانون