حين سقط القناع وانكشف المستور
- Almamri & Assaidi
- 11 فبراير
- 2 دقيقة قراءة
حين سقط القناع وانكشف المستور
سنوات طوال، والشاب المصاب بعاهة عقلية مغلوب على أمره، يعيش تحت سطوة ذاك الوحش، لا قيدٌ يغلّ يديه، ولا بابٌ يُوصد في وجهه، غير أن روحه مكبلةٌ بالخوف، ولسانه معقودٌ بالعجز؛ فلا يدفع عن نفسه ظلمًا، ولا يصدُّ عنه سوءًا، كأنما قُدّ من طين لا يعرف الصراخ، ولا يسكنه الرفض.
ذلك المستبد، الذي لبس وجه الصلاح، واغتسل بعبارات التقوى، كان سيدًا مطلقًا على ضعفه، يحرّكه كما شاء، ويأمره فينصاع، لا بسياطٍ تجلد ظهره، بل برهبة تزرعها الأيام في قلبه، حتى صار كما يريد، يأخذ منه ما يشتهي، ويملي عليه من الفحش ما لا يطيق.
لم يكن ليحسب أن يد العدالة ستمتد إليه؛ لم يخطر له أن رعونة لسانه ستكون حبله إلى الهاوية، فقد ظن أن الدرب ممهدٌ، والمكر نافذٌ، فانطلق يعبث في الخفاء، يطوف في أزقة الليل، يستدرج من يظنهم فرائسه، ويتقرب إليهم بالكلام الملتوي، يستعين بالكلمات التي يختارها بدهاء، يتحرك بين السطور كما لو كان يرقص فوق خيطٍ مشدود، لا هو بالمتزن ولا هو بالساقط.
ذات ليلة، حين أرخى الليل سدوله، وتمدد الوحش في زاويته المظلمة، أطلق لنفسه العنان، فلم يكتفِ بالكلام، ولم يقتصر على الإشارات،وإنما أرسل مقطعًا مصورًا، إلى مشروع صحيته الجديدة التي حاول التقرب منها عن طريق الفيس بوك، وكشف فيه عن فُحشه دون أن يدرك أن الخناق بدأ يضيق، وأن لحظة سقوطه قد حانت.
المرسل له لم يكن وحده؛ كان إلى جواره صديق لم ينسَ ذاك الوجه، تذكره في لحظة، تذكر كيف رآه قبل زمن قريب، كيف كان صوته جلجل في الطرقات، كيف وقف أمامه يومًا حين رفع صوت الموسيقى، فزجره بحدةٍ، ونهره كأنما ينطق بالحق الذي لا يُرد، وكأنما يعلو فوق الناس جميعًا بالتقوى والطهر، ثم ها هو الآن، ينكشف على حقيقته، يسقط من عليائه، يغرق في قاذوراته.
واجهه دون تردد، رفع هاتفه وأراه المقطع، قال له: " أنت الذي صرخت في وجهي يومًا لأنني رفعت صوت الموسيقى؟ وأنت الذي ادعيت النصح؟ انظر إلى نفسك، هذا وجهك الحقيقي، وهذا قبحك الذي أخفيته تحت ستار الفضيلة".
لم تلبث الفضيحة أن انتشرت، كالنار إذا مست هشيمًا يابسًا، تدحرجت القصة بين الأيدي، حتى بلغت أبواب القضاء، فما أن نما إلى علم الادعاء العام أمر الفيديو، حتى تحرك على الفور، لا تردد ولا تباطؤ، فالرائحة النتنة بلغت كل مكان، والعدالة لا تنام على جريمة مثل هذه.
لم تأخذ التحقيقات وقتًا طويلًا، سقط الوحش في قبضتهم، لم يحتج المحققون إلى كثير عناء؛ فالقرائن تنطق، والأدلة تصرخ، وما إن تعمقوا في البحث حتى أخرجت الأيام أسرارها، ظهرت الحكاية كاملة، وجدوا ذلك المسكين، الذي ظل أعوامًا تحت رحمته، لا يتجرأ على الرفض، لا يملك سوى الصمت والامتثال، كأنما وُلد ليكون طوع أمره، يأمره فينحني، يطالبه فيستجيب، لا قوة تدفعه إلى الهروب، ولا لسان يصرخ في وجهه.
صدر الحكم، خمسة سنوات وراء القضبان، يد العدالة امتدت وأخذت بثأر الضعيف، قيدت الوحش بالسلاسل التي أفلت منها طويلًا، أغلق الباب خلفه، وانتهت الحكاية التي عاش يرويها لنفسه، قصة المكر الذي حسبه لا يُكشف، والتلاعب الذي خاله لا يُفتضح.
هكذا، دار الزمن، وانقلب السحر على الساحر، وسقط القناع، ليُثبت أن العدل، وإن تأخر، لا يضيع.
المحامي محمد بن سعيد المعمري
شـــــــــــــركة الـمعمري والسعيدي
محــامون ومستشارون في القانون